الدرس الأول: عن الحسين (ع) مع أعدائه:
عندما خرج الإمام الحسين (ع) من الكوفة اعترضه الحّر بن يزيد الرياحي مع رجاله البالغ عددهم نحو ألف فارس فجعجع به وبعياله ومنعهم عن مواصلة الطريق. آنذاك وفي منتصف الظهيرة أخذ الظمأ من الحرّ وجيشه مأخذاً عظيماً، فقال الإمام الحسين (ع) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفّوا الخيل ترشيفاً... وهكذا كان الإمام (ع) في عاشوراء، حيث لم يبدأهم بالحرب، وإنما القوم بدؤوه بالحرب والقتال حتى قتلوا جميع أهل بيته وأحبابه حتى الطفل الرضيع (4).
الدرس الثاني: عن الحسين (ع) مع من خالف رأيه:
روي أنّ رجلاً صار إلى الحسين (ع) فقال: جئتُك أستشيرك في تزويجي فلانة. فقال (ع): (لا أُحب ذلك لك). وكانت كثيرة المال وكان الرجل أيضاً مُكثراً. فخالف الحسين (ع) فتزوج بها. فلم يلبث الرجل حتى افتقر، فقال له الحسين (ع): (قد أشرتُ إليك، فخلِِِّ سبيلها، فإن الله يُعوضُك خيراُ منها)، ثم قال (ع): (وعليك بفلانة). فتزوجها، فما مضت سنةٌ حتى كثُر مالهُ، وولدت له ولداً ذكراً، ورأى منها ما أحب) .
عند التأمل في هذه الحادثة نجد أن الإمام الحسين (ع) قد استخدم أسلوب التسامح مع من خالف مشورته، ولو كان أحدُ منّا في مثل هذا الموقف لربما رفض تقديم النصيحة لمن لم يعمل بنصيحته الأولى، وربما عيَّره بأن هذا جزاء من لا يستمع للمشورة، ولكن الحسين (ع) نموذجّ مختلف، تمثل شخصيته ومواقفه الكمال الإنساني، هذا أولاً، وثانياً: يعلمنا الحسين (ع) بأن نتسامح مع من يختلف معنا في الرأي والعمل، وفي حال مقدرتنا على نصحه أن لا نقصر في ذلك.
الدرس الثالث: عن الحسين (ع) مع من يعتذر إليه:
يقول الإمام الحسين (ع): (لو شتمني رجُلٌ في هذه الأُذُن- وأومأ إلى اليُمنى- واعتذر في اليسرى، لقبلتُ ذلك منهُ، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حدثني أنهُ سمع جدّي رسول الله (ص) يقول: ( لا يردُ الحوض من لم يقبل العذِر من مُحقٌ أو مبطل) .
نعم قد نحفظ هذه الكلمة، وغيرها من المقولات العظيمة الواردة عن أئمة البيت (ع)، لكن أين نحن عن التأسي والإقتداء؟
فماذا سيفعل الواحد منَّا لو تعرض لشتيمة شاتمٍ؟ فلنسأل أنفسنا بصدقٍ هذا السؤال، لنتعرف عن مدى تمسكنا بتعاليم أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، فمعرفتنا لمواقفهم الشريفة، وحفظنا لكلماتهم العظيمة، لن تغنيانا شيئاً إن نحن عملنا ما يخالفها.
الدرس الرابع: عن الحسين (ع) مع الجناة:
روي أنّ غلاماً له (أي للإمام الحسين) جني جنايةًٍ كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقال (ع): خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال (ع): قد عفوت عنك، قال يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال (ع): أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك) .
ألا نجد في هذا السلوك الحسيني تفسيراً عملياً لقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران: 134).
وأقول: ألم يتعلم (غاندي) من الحسين (ع) درس اللاعنف؟ إي وربي، لقد تعلم ذلك من الحسين (ع)، وهو القائل: (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)، فما بالنا نحن لا نتعلم هذا الدرس من الحسين (ع)؟ ألسنا بحاجةٍ ونحن نعيش في هذا العصر العنيف - المليء بالرعب - إلى قراءة سيرة الإمام الحسين (ع)؟ ألسنا بحاجة للأخذ بمنهجه الشريف الذي هو امتدادٌ لمنهج وسيرة الحبيب المصطفى (ص)؟ أوَ لم يقل الرسول الأكرم (ص): (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً).